الأحد، 31 مارس 2019

ما وراء الإهداء

الساعة 4.30 فجرًا
ها هي الصلاة المقربة إلى قلبي، أفتخر بنفسي كثيرًا عندما أصلي ركعتي الفجر، أشعر وكأني حققت إنجازًا يستحق الاحتفاء، أستغل كل لحظة حتى أتقرب من الله أكثر، وأتحدث معه بحرية دون قيود بعيدًا عن المجتمع الذي يسيء فهمي.
ما أن أنهيت الركعة الأولى وركعت خاضعًا خاشعًا أسبح: «سبحان ربي العظيم - سبحان ربي العظيم - سبحان ربي العظيم»، ثم هممت أن أدعو لنفسي ولأهلي ولكل من يخطر ببالي، ولكني سرعان ما وجدتني أتحدث مع الله متخليًا عن عباءة الفصحى الوقورة وأقول له: «يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها».
يقطع خشوفي صوت الإمام الذي يقول: «سمع الله لمن حمده»، أتأمل في هذا القول، وأدرك أن الله وملائكته الآن يسمعونني، فأقول: «الحمد لله على نعمة صداقتها.. يارب الهدية تعجبها..يارب الهدية تعجبها»، ثم أقاطع نفسي متعجبًا: «أنت هتخلص الصلاة كلها في الدعوة دي؟»!
آنذاك استكملت الصلاة ساجدًا أصلي: «سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. اللهم أغفر ذنوبنا.. وتقبل صلاتنا.. واشملنا برحمتك يا أرحم الراحمين.. ولا تجعل بيننا مريضًا ولا متألمًا إلا وأنزلت السكينة على قلبه.. ويارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها».
الركعة الثانية.. ولكنها ليست آخر الفرص التي سأتحدث فيها مع الله، ما الغريب في دعوتي؟ الغريب حقًا أنني لم أتعجب من نفسي قيد أنملة، لم أقل لنفسي: «ماذا تقول لربك؟».
أنت تعلم يا الله قدر ضعفي، وتعلم أنني أستمد قوتي وصلابتي من المحيطين بي، وتعلم كم تعلمت منها ونظرت لها كمثل أعلى بل وهدف تمنيت أن أصل له، وكمكتبة مليئة بالأسرار والمعلومات والقصص ربما أود الارتماء بين جوانبها متناسيا كل شيء لأنهل ما أستطيع من قيمة.
أنت تعلم يا الله قيمتها في نظري، وها أنا اليوم على مشارف إعداد مفاجأة ربما قد تجدها انتهكت خصوصيتها ووضعتها تحت العدسة المكبرة، ولكنها محض رسالة لأن تكتب وتكتب وتكتب، فهي لابد أن تكتب وتوثق ما تمر به ونحن نقرأ ونصفق ونمتن في صمت.
لذلك.. سأكمل صلاتي داعيًا نفس الدعوة، لقد دعوت سابقًا لكثيرين غيرها، أما الآن فلن أدعو سوى بشيء واحد فقط: «يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها.. يارب الهدية تعجبها».
3 كلمات مغلفات بأكثر من 3000 كلمة، فأتمنى أن تكون الهدية هي شريان الأخوة الساري، وعربون المحبة الأبدي، وميثاق الصداقة الممتد، وعسى أن تحمسها مجددًا على الكتابة وممارسة الطقس الأقرب إلى قلبي وحتمًا إلى قلبها.
السلام عليكم ورحمة الله.. السلام عليكم ورحمة الله.

الساعة 10.30 صباحا
أستيقظ من نوم متقطع، أنظر إلى الهاتف منتظرًا رسالتها التي تؤكد فيها الموعد، ولكني لا أجد شيئًا، أحاول أن أنام ولكني أرغب في النظر إلى الهدية مرة أخرى، فتحت الهدية ومررت بعيني على كل السطور والكلمات..
نظرت إلى التاريخ الخاطئ الذي كتبته «يوليو 2019»؛ للأسف هذه الخاطرة مهمة للغاية ولن أستطيع التنازل عنها، ولا أملك وقتًا لأعيد طباعتها، ولا أرغب في تشويه الصفحة وتصحيحها يدويًا.. ماذا أفعل؟!! أين كان مخي وهو يكتب تاريخًا لم يأت حتى الآن!
سأعترف لها، وقد تكون هذه إشارة ودرس من الرب بأن الكمال له وحده، وسأركز مستقبلًا في ألا أقع في هذا الخطأ مجددًا.

الساعة 12 ظهرًا
في طريق القاهرة الزراعي، لم أكن أتخيل سوء الأحوال الجوية، وتوقعت أن صلاتي لم تُقبل، فيبدو أنها لن تكون في العمل اليوم، كيف تقود سيارتها في هذا الطقس؟!
نظرت إلى الهاتف مرة أخرى، فلم أجد منها أية إشارة إلى تأكيد الموعد المرتقب.. نظرت إلى الهدية بين يدي ثم قلت لنفسي: «لا بأس.. سأصلي فجر اليوم مجددًا لأحصل على وقت إضافي وأدعو مجددًا.. يارب الهدية تعجبها».


الساعة 1 ظهرًا
الموعد بات مؤكدًا، فهي وصلت القاهرة بسلامة الله، ها هي ساعات قد تفصلني عن موقف مصيري، إما أن أكون قدمت إهداءً خاصًا، أو أن أصبح ثمة شخص متطفل مُراقب يوثق ما لا يعنيه..
احترت قليلا حتى كدت أسحب الإهداء، ولكني تشجعت ودعوت الله مجددًا: «يارب الهدية تعجبها».


الساعة 3 عصرًا
أسلم على الجميع في عَجَل، أتطلع لإنهاء كل الأحاديث الروتينية، أتهيأ لتقديم الإهداء المصيري، أدخل مكتبها بعد طرق خفيف -أسعى أن يكون مميزًا على باب مكتبها- لأجدها مرهقة، لجزء من الثانية أتأمل ملامحها التي يبدو أنها حُرمت من النوم.
وراء هذا الإرهاق، مشقة عصيبة، أدرك الليالي التي سهرتها كرفيقة لشقيقتها المريضة، وأردك دوامات القلق والتساؤلات التي تدور في ذهنها بشأن حالتها الصحية، أعلم تماما كم تبذل جهدًا لتصبح في غاية القوة والتماسك، قلبي معكِ يا عزيزتي.
ومثلما أدركت هذا القدر من المعاناة، اليوم أدرك فصلا جديدا من الكرم والرُقي، فهي أيضًا عزمت أن نفطر سويًا، واختارت لي فطورًا جميلًا بسيط كما هي.
تشجعت وقدمت إهدائي، ولم أكن أعلم أن الله وملائكته سيجبرون بخاطري هكذا، طالما نظرت للسماء بعد صلاة الفجر وكأني أرى الملائكة تلوّح لي، وفي هذا اليوم كانت الملائكة أكثر من المعتاد.. كذلك كان رد فعلها.. بريء ملائكي بسيط سمح.
سعادتي بلغت بُعد السماء وكِبر البحر مثلما ادعت فيروز، سعادتي لم تكن سعادة مؤقتة أبدًا، كيف لا أسعد وأنا أسمعها تقول إنها تستعيد قراءة المحادثات الخاصة بنا، وأنها ستصنف الهدية كأحد أفضل الهدايا على الإطلاق، وأنها ستشاركني قراءة خواطر خاصة بها لم تفصح عنها للعلن، وأنها ستلبي طلبي وتكتب بل وتسمح لي بأن أهديها دفترًا جديدًا حال أنهت هذا..
شكرًا يا رب.. شكرًا فالهدية أعجبتها.

الساعة 6.30 مساءً
بعدما أنتهي من أحد الواجبات الاجتماعية، أفتح هاتفي لأجد رسالتها تحمل قدرًا وفيرًا من المحبة والود، تكرمني بقولها إننا متشابهين، تبشرني بأننا سنظل صديقين أبديين، يا بركة صلاة الفجر، أعرف كونها صلاة شاقة على قلوب الكثيرين؛ نظرًا لما بها من مجهود واستيقاظ في منتصف الليل.
ولكن على قدر المعاناة تأتي النتيجة، ومثلما تقول هي دائمًا: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، تلك الآية الكريمة من سورة الرحمن، وأشهد الله أنها رحيمة كما اسم السورة، ومُحسنة كما تقول الآية، فيا صديقتي العزيزة اليوم عليكِ أن تفتخري بنفسك وتدركين أن جزاء الإحسان لن يكون سوى إحسانا.
فربما يكون إهدائي هو إحسان من المولى عزّ وجلّ لكِ، إحسان يليق بقدرك وكرمك وجهدك ورقيك.
الحمد لله يارب.. الهدية عجبتها.

الساعة 11.30 مساءً
قبيل نهاية اليوم.. أقف أمام رسالتها عاجزًا لا أستطيع أن أرد على هذا القدر من الكرم.. حاولت كثيرًا ولكني فشلت؛ لذلك قررت أن أحكي لكِ جزءًا صغيرًا من كواليس هذا الدفتر.




أشكرك بأسمى آيات الشكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق