الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

من لا أعلم اسمها


أعشق اليوم الذي أستيقظ فيه شاعرًا بالراحة والأمان والرضا والنشوى، أعشق الأحلام التي لا تعكر صفو مزاجي، ولا تذكرني بمشكلات الواقع، أعشق تلك الأحلام التي تجذبني رويدًا رويدًا في تفاصيلها، حتى أشعر لوهلة أن الحلم كان حقيقة.. أعشق الأحلام التي تترسخ في ذهني بإيجابية وتنسيني هموم الواقع ولو لفترات بسيطة.. أعشقها تلك الأحلام.

واليوم استيقظت غارقا في حالة من النشوى.. لأسأل نفسي: "لماذا لا تحدث مثل هذه الأحلام في الحقيقة؟ لماذا كل ما هو جميل ورائع أجده حلما في النهاية؟

لا أذكر جيدًا المكان، أو الوقت الذي التقيت بها فيه، أو آلية التعارف، كل ما أتذكره أننا التقينا فجأة وجهًا لوجه، جذبتني ابتسامتها، وجمالها الرائع، وبساطة تفاصيل وجهها، وجسمها الممشوق وطولها، وكانت أول كلمة نطقت بها: «خليكي معايا النهارده»
وهي رحبت باقتراحي مبتسمة.

لن أنكر أن غرائزي حركتني تجاهها، وجدتني أضع يدي على خصرها وأتحسس جسمها، في ظل لا مبالاة منها، غمرني شعور بأني مقبل على علاقة جنسية فريدة، مع إنسانة من أجمل ما تكون..

جلسنا على مقعد خشبي في وسط ميدان صاخب، توقعت أنها اختارت هذا المكان لتحتمي بالبشر من شهوتي الجنسية.. ولكن الوحش الحيواني الذي بداخلي لم يهدأ، وظللت أحرك يدي على شعرها وظهرها وخصرها، وأنا لا مبالي بالزحام والضجيج وعيون الناس الموجودة حولنا.

واتخذت قراري بأن ألمس جسدها بيدي، فمررتها حثيثا من أسفر ردائها، إلى أن لمست ظهرها، وهنا كان أول رد فعل منها، وجدتها ترتمي داخل حضن وتتعلق بي مثل الطفلة، وتضع رأسها على صدري وتتشبث بي كأني فرصتها الأخيرة في الحياة.

كان هذا الحضن أبلغ من كل الكلام.. أزحت يدي عن جسدها تدريحيا، ووجدتني أضمها أكثر إلى حضني، وأداعب خصلات شعرها في رقة، وأسألها: «انتِ زعلتي مني»
لترد باختصار وفي رقة: «لا.. انا عاوزة أفرحك يا كريم»

أشعلت تلك الجملة جوارحي، وعواطفي تجاهها، فأنا في حياتي من يحاول إسعادي... حتى إذا كان على حساب ضيقه.. كل ما فعلته هو اني تمسكت بها أكثر، وتناسيت الميدان وعيونه الموجودة حولنا،

وظللنا فترة صامتين.. إلى أن قطعت الصمت بكلمة: «اتكلم»
فتكلمت.. تحدثت كثيرا.. خلعت كل الأقنعة أمامها.. ظهرت كما أخشى أن أواجه نفسي
حدثتها عن فشلي في علاقتي بربنا، فأنا أعشقه، أحبه لدرجة الخجل، ربنا الذي ساندني ودعمني وأنقذني ومازال ينقذني، ووفقني في أغلب خطواتي، وكان رحيما في عقابه لي وتصحيح مساري.
حدثتها عن أبويا.. الذي أتجنب دوما الحديث عن الألم المحفور في داخلي بعد رحيله، دائمًا أظهر صلبا قادرا على تحمل الظروف، أظهر مبتسما راضيا مقتنعا، لكن في الحقيقة أبويا وحشني أوي.
حدثتها عن الغرور الذي يتملكني كثيرا، وإحساسي بالتعالي على أصدقائي رغم أن كل شخص فيهم يمتلك عشرات الأسباب التي تجعله يجد نفسه أفضل مني.
حدثتها عن الضيق الذي يتملكني، لم أعد أستطع كتابة الشعر، ولم أعد أستطع الضحك، ولم أعد واثقا في نفسي، ولم أعد قادرا على مواصلة المسير، أشعر كأني مدمن يهرب من آلامه الجسدية والنفسية بمخدر مؤقت، ولا يستطيع مواجهة نفسه ولا مواجهة الحياة، ويطمح دائما للعلاج لكن لا يفكر فيه بسبب صعوبة طريقه.
حدثتها عن ضيقي من العباءة الفاضلة التي أرتديها، حدثتها عن رغبتي في البكاء وعدم قدرتي عليه.. حتى انغمرت في البكاء وأنا أضمها أكثر إلى حضني وهي صامتة، وتتمسك بي.

حاولت أن أنظر لها كثيرا في محاولة لحفظ ملامح وجهها، حتى تظل داخلي، وأعترف لها بمصائبي دوما، وأتعرى أمامها من كل ما يؤرقني.. وجدتني أمسك يدها بقوة كأني أقول لها: أخبريني أن مازال الأمل موجودا بيننا، أخبريني أني لازلت صالحا للحياة، أخبريني أني سأكمل طريقي وسأصحح مساري.

جذبتني تلك الفتاة من يدي، وقالت: "انت مستعجل صح؟ "
قلت لها: "دايما مستعجل.. لكن النهارده مش عاوز أستعجل"
قالت لي: "طيب ما تجري؟"
-: "تجري معايا"
-: "أنا أسرع منك"
أمسكت يدها وجرينا في نصف الميدان، وحاولنا المرور برشاقة بين المواطنين والسيارات والمِحال.. إلى أن نظرت إلى الساعة في منتصف الميدان ووجدتها تبشرني بضرورة السفر حتى ألحق بموعد العمل..
فقلت لها أثناء الجري: "تسافري معايا"
ردت بدون تفكير او تردد: "طبعًا أسافر"
أمسكت بيدها أكثر وظللنا نجري سويا متجهين إلى أقرب وسيلة تنقلني إلى مكان العمل.. ولا أعلم ماذا سأفعل بعدما نسافر سويا، كل ما أريده هو اقتناص تلك اللحظة فقط.


وجدتها فعلا سريعة في حركتها، ورشيقة جدًا، وأنا رغم عدم رشاقة جسمي أظن نفسي في منتهى السرعة إلى أن تلك الساحرة سبقتني حتى أفلتت يدها من يدي.. في تلك اللحظة شعرت أنها ستغيب عني للأبد.. سرعت خطواتي ومررت بين الناس برشاقة إلى أن وجدتها على بعد خطوة واحدة مني فاحتضنتها وضحكنا سويا.

وها نحن الآن أمام الحافلة التي ستنقلنا إلى مكان عملي، وأخطط لحديث سيستمر بنا ساعتين، ربما يكفيني النظر إليها دون التحدث، ولكنها تجذبني للكلام وتفك كل شفراتي وتدعوني لكسر الروتين ونزع القناع.

وفي تلك اللحظة سمعت صوت أمي وهي تنادي: «اصحى يا كريم الساعة 12 والظهر أذّن».. أدركت أن الحلم الجميل ينتهي وبعد ثواني سأفقد هذه الرائعة المؤلمة المبهجة، فقررت أن أقول لها جملة أخيرة: «ابقي زوريني كتير».

واستيقظت وأنا شاعرًا بالراحة والأمان والرضا والنشوى، أعشق الأحلام التي لا تعكر صفو مزاجي، ولا تذكرني بمشكلات الواقع، أعشق تلك الأحلام التي تجذبني رويدًا رويدًا في تفاصيلها، حتى أشعر لوهلة أن الحلم كان حقيقة.. أعشق الأحلام التي تترسخ في ذهني بإيجابية وتنسيني هموم الواقع ولو لفترات بسيطة.. أعشقها تلك الأحلام.

واليوم استيقظت غارقا في حالة من النشوى.. لأسأل نفسي: "لماذا لا تحدث مثل هذه الأحلام في الحقيقة؟ لماذا كل ما هو جميل ورائع أجده حلما في النهاية؟

الخميس، 3 ديسمبر 2015

خد فكرة ومتشتريش

كنت جالسا على أحد المقاهي أشرب فنجان من القهوة لأستطيع استكمال يومي بدون نوم، وأقرأ كتاب الدكتور أحمد عكاشة «الطريق إلى السعادة» وأنا أعيش حالة من النشوى وأتحثث هذا الطريق.

وفجأة.. جذبتني جملة شخص ما حينما قال: «خد فكرة ومتشتريش».. تلك الجملة التي سمعتها في عرض «1980 وانت طالع» مسبقا، ومن الصدفة أني كنت سأدخل العرض بعد ساعتين من تلك اللحظة.

هذا المشهد العبقري الذي جسّد معاناة الشاب «مندوب المبيعات»، وتصنّعه الابتسامة في وجه العميل، وتحمله الانفعالات والسخافات.. استعدت المشهد في ذاكرتي وانتظرت هذا الشخص حتى ينتهي من عرض خفايا حقيبته أمام الشخص الجالس على بعد أمتار منّي.

استمعت بإنصات للحديث المتبادل بينهما وخاصة بعض جمل مندوب المبيعات مثل: «الرزق بتاع ربنا، أنا مش ناعي هم حاجة، الحمد لله على كل شيء».

وجاء هذا الشخص ليعرض عليّ شراء «مفكات، وماكينات حلاقة كهربية، وكتيبات أطفال للرسم والتلوين، ومعطرات جو».. طلبت منه الجلوس وسألته عن الأسعار.. وجدتها مرتفعة نسبيا مقارنة بمثيلاتها التي أجدها مع الباعة الجائلين بالمترو.

ودار بيننا الحوار الآتي:
- بس مش الأسعار غالية شوية؟
- دي أسعار محدداها الشركة.. وصدقني عليها عروض، وانا ملزم بالأسعار.
- يا صديقي مفيش شركة واحدة بتنتج معطرات جو وماكينات حلاقة.. دي كلها بضاعة صيني بيصطادها الموزعين بأسعار كويسة، ويوظف حضرتك وغيرك لبيعها مقابل مكسب معين، وأي مكسب زائد عن المكسب المحدد ده فهو مكسبك.. فقلل مكسبك شوية بقى عشان أشتري
ابتسم هذا المندوب ورد قائلا: اللي انت عايزه يا فندم.

قررت شراء مفك ومعطر جو، وقبل أن يرحل هذا الشخص سألته:
- ما هو مؤهلك الدراسي؟
رد سريعا : مؤهل متوسط.. دبلوم يعني

ابتسمت أنا وتمنيت له التوفيق، واحترمت توديعه لي بابتسامة مماثلة.

أعجبني اعترافه الصريح بأنه يحمل مؤهل متوسط -مع احترامي لحملة هذا المؤهل- لأنه كان يستطيع أن يرتدي عباءة المثقف الحاصل على الماجيستير ولكن عبث الأقدار والاحتياجات الأسرية هي من أجبرته على تلك المهنة التي قد تكون غير لائقة بطموحاته وطاقته كشاب.

هذا الشخص ارتدى عباءة الإنسان «المستغني» مع العميل السابق، وردد بعض العبارات التي قد تدغدغ مشاعر أي شخص يسمعها وتجبره على التعاطف والشراء.

مثلما قد يرتدي عباءة أخرى مع عميل آخر، وألتمس له العذر في ذلك، فهو يريد الترويج إلى سلعته بكل الطرق المشروعة؛ في محاولة لكسب العيش.

ولكنه تخلى عن تلك العباءة معي، ربما لأنه شعر أني حتما سأشتري، أو لأني لسه في حاجة إلى التعاطف معه، أو ربما وجدني لن أصدق حديثه أيًا كان فلجأ إلى الصمت والتحدث في صلب الموضوع.

في النهاية.. 

دعونا نتقبل الآخر ولا نضطره لاصطناع الابتسامات وارتداء العباءات الكاذبة.

المجد للشقيانين.. المجد لفلان.. هاخد فكرة وهشتري