السبت، 30 ديسمبر 2017

من وحي الغياب.. 48 ساعة بعد الفراق

   
كأن الشمس لم تسطع في هذا اليوم، وكأن الهواء افتقد أكسجينه، وكأن الألوان كلها أصبحت باهتة، وأضحى كل شيء ذابل يرفض الابتسام في وجهي.


رفضت قدمي أن تخطو، تحاملت على نفسي في كل خطوة مشيتها، وكأني أكافح شلل أصاب روحي وقيّد مشاعري وحركتي بقيد حديدي مُحكم، لم تستطع طاقتي أن تكسره.

بعد سويعات قليلة من النوم، استيقظت لا أتذكر بماذا حلمت، ولا أريد أن أتذكر شيء سواها، كم تمنيت أن أستيقظ على رسالتها الصباحية اليومية، ولكن الصباح لم يأت والشمس لم تشرق ورسالتها أصبحت في علم الغيب.

توجهت إلى دائرة روتيني اليومية المرهقة؛ أملًا في أن أتناسى رحيلها عني، ولكن كأن كآبة الرحيل ارتسمت على وجهي، فكل من شاهدني رمقني بنظرة غريبة تحمل استفهامات عديدة وغالبا أعقبها تساؤل: «ماذا بك يا كريم؟»؛ لأجد نفسي أجيب متسرعًا: «لا شيء»؛ وأحاول ترك المكان أو تغيير الموضوع في محاولة للتأقلم على المستقبل بدونها.

كانت يدي مشلولة عن الكتابة، وعيني لا ترى إلا صورتها، وصوتها يتردد في أذني، وكأني أصبحت أسيرها بعد الرحيل، كل حواسي تجمدت أمامها، وعقلي لم يتوقف عن التأمل والتفكير والمحبة والتذكر.

بعد ساعات من العمل الذي لم أستطع القيام به، جلست في الهواء الطلق هربًا من العيون المتسائلة وأملًا في بعض الهواء المنعش الذي قد يحمل بين طياته فرجًا أطمح له.

تسللت يدي إلى هاتفي المحمول، ووجدتني أبحث في الصور الشخصية، ووجدتها في أول صورة؛ أتذكر هذا اليوم الذي ارتديت فيه زيًا كلاسيكيًا نوعًا ما، واستمعنا لمطربنا المفضل سويًا في مدينتها الجميلة التي ازدادت جمالًا بوجودها، تلك الصورة مر عليها حوالي 5 أشهر، كيف لم ألتقط معها صورًا منذ ذلك الحين حتى اليوم؟ لو كنت أعلم أن صورنا ستكون السبيل الوحيد لتذكرها لالتقطت كل دقيقة صورة.
تذكرت المرة التالية لتلك الصورة، عندما سافرت لها لإنهاء الراحة الاختيارية التي اخترناها هربًا من أزماتنا التي ظهرت مؤخرًا وعرقلت قصة حبنا، هذا اليوم لم نلتقط صورًا وكأننا هربنا من توثيقه، ولكني يا حبيبتي لو كنت أعلم إنها ستكون الزيارة الأخيرة حتمًا كنت سأتعلق بها حتى لا تنتهي.

أعود إلى عملي بائسًا، ولا أستطع الجلوس لأكثر من نصف ساعة أمام شاشة الجهاز المستفزة، أتذكر الليلة الماضية وقسوتها، كنت أنتظر أن تحديثيني وتقولي لي: «أرجوك لا تتركني»؛ أعلم أنكِ تكرهين هذا الأسلوب وتعتبرين تلك الأماني ضغوطًا عليكي، ولكني أبديت رغبة فراقنا بمنتهى العقل وكنت أتعشم في قلبك أن يكبلني ويوقفني ويهديني.

تفشل الأغاني التي تترد في أذني أن تخرجني من حالتي النفسية السيئة، بل أجد نفسي أنسجم مع الحزن تدريجيًا مع كل كلمة: «حب، حياة، فراق، وحشتيني»، وكأن الكلمات الأربعة لم يمثلوا أحد سواكِ، فأنتِ الحب الذي توّج الحياة وما أن لاح الفراق في طريقنا حتى قلت بأعلى صوت وحشتيني.

انتهى العمل، وعلى بعد خطوات من مقر عملي، تفاجئت باتصالات من زملاء العمل يسألوني: «ماذا بك يا كريم؟»، ولا أستطع الإجابة، ولكني أكدت للجميع بأني حزين وكأني لم أذق الحزن من قبل، وطالبتهم أن يطمئنوا، فأنا سأخرج من هذه الحالة قريبًا.. لا أدري كيف ولكن حتمًا سأخرج.

كنت أنظر للساعة كل فترة وكأني أرجو اليوم أن ينتهي، ولا أتذكر كيف انتهى.. ولكني نمت.

في اليوم التالي، استيقظت من النوم لا أنظر في هاتفي ولا أنتظرها، كنت على ما يرام بعض الشيء، ولكن ما أن خرجت إلى العالم الخارجي حتى اكتشفت علتي، فأنا لن أستطيع الاختباء بجرحي وسط الناس.. فجرحي مستمر لحين علاجه باقترابها مجددًا.

في هذا اليوم كانت حفلة مطربنا المفضل، وكنت علقت عليها آمال الخروج من حالتي النفسي السيئة، ولكن ما حدث كان العكس، فكل أغنيات تلك الحفلة كانت أسواط من لهيب تجلد روحي وتوبخني وتذكرني بحلمي الذي لم يكتمل، وعمري الذي لن أتقاسمه معها.
دموعي انهمرت على كل الأغنيات، حتى الأغاني الإيقاعية ذات الأنغام الفرحة لم تتمكن من هزيمة الاختناق الذي تمكن مني، أتذكر هذه الأغنية التي رقصنا عليها سويًا، وأنغام الطبلة التي كنا نعشقها، ودموعي تنهمر مع صقفات يداي اللاتي لم تتوقف على الإطلاق، وكأني أضرب بيدي على وجهي تحسرًا على رحيلها.

ما أن وقف المطرب الشاب على المسرح ليغني تتر المسلسل الذي طالما طالبتني بمتابعته، حتى انغمرت في حالة بكاء شديدة جعلت البعض ينظرون لي ويتعجبون من تأثري..
كنت أسمع كوبليه: «واللهِ فراق الحبايب مُر يوجعني»؛ وكأني أتذوق مرارة هذا الفراق وأشتاق لهذه الحبيبة دونًا عن كل الحبايب.

توجهت إلى منزلي، وأنا أتأمل في صورها، وجدتني في مواجهة صديقي المُقرب الذي سألني: «هل حدثتك؟»
 - قلت له: «لا.. ولكنها إذا قالت لي عود سأعود بدون تفكير».
- إذن لماذا لا تعود من الآن؟
- لأني موجوع، واكتفيت من أوجاعها.
- برأيك من المخطئ؟
- لا أحاول أن أبحث عن جاني ومجني عليه، فهي حالة عاملة لا أستطيع التعايش معها.
- ولكنك تعايشت وحلمت وبدأت تخطو خطواتك نحو الاستقرار.. لماذا لا تكمل؟
- لأني فشلت.. فمنذ شعوري بأني لست الأجمل في عينها وأنا أعتبر نفسي فشلت، ومنذ حِدة حديثها المستحدثة عليّ أعتبر نفسي فشلت، ومنذ وجدنا راحتنا في الغياب اعتبرت نفسي فشلت، ومنذ سألتها: "هل تريدي الفراق.. فردت (لا أعلم)" أدركت حينها أني فشلت.

سأكمل في طريق الفراق يا عزيزتي..
سأكمل طالما لم تجدِ راحتك معي ولم أجد طموحاتي فيكِ..
سأرحل حتى لا أحملك ما لا طاقة لكِ به، وحتى أكون على سجيتي في التعامل لا أرتدي الوجوه أو أتجمّل أمامك..
سأرحل حتى أتخلص من شعور الذنب تجاهك بشأن الأعباء التي ألقيتها على روحك..
سأرحل حتى أتخلص من هاجس الشك الذي ظل يساورني منذ أن بعدنا تدريجيا..
سأرحل حتى لا أضعك في محل مقارنة مع من حولي وأجدك خاسرة..
سأرحل حتى لا أُشعِرك بأنك أقل من طموحاتي..
سأرحل حتى لا تتحسري على عمرك الذي أهدرتيه معي، وتستمعي بكل لحظة في عمرك مع من يشبهونك في الاهتمامات.
سأرحل حتى لا أشك أنكِ قد تحبين غيري.
سأرحل.. لأنك لستِ على يقين بأنك تريدين استكمال طريقيك معي.
سأرحل.. وواللهِ فراق الحبايب مُر يوجعني.

اليوم أنا أفضل مما كنت، ولا أعلم هل سأتحسن أم ستسوء حالتي، ولكن حتمًا سأكمل طريقي.. وأتمنى لكِ حياة رحيمة.

أعشقك.. ولن أندم على كل دمعة انهمرت حزنا على فراقك.

لنا الله في بقية ساعات الفراق.