الخميس، 3 ديسمبر 2015

خد فكرة ومتشتريش

كنت جالسا على أحد المقاهي أشرب فنجان من القهوة لأستطيع استكمال يومي بدون نوم، وأقرأ كتاب الدكتور أحمد عكاشة «الطريق إلى السعادة» وأنا أعيش حالة من النشوى وأتحثث هذا الطريق.

وفجأة.. جذبتني جملة شخص ما حينما قال: «خد فكرة ومتشتريش».. تلك الجملة التي سمعتها في عرض «1980 وانت طالع» مسبقا، ومن الصدفة أني كنت سأدخل العرض بعد ساعتين من تلك اللحظة.

هذا المشهد العبقري الذي جسّد معاناة الشاب «مندوب المبيعات»، وتصنّعه الابتسامة في وجه العميل، وتحمله الانفعالات والسخافات.. استعدت المشهد في ذاكرتي وانتظرت هذا الشخص حتى ينتهي من عرض خفايا حقيبته أمام الشخص الجالس على بعد أمتار منّي.

استمعت بإنصات للحديث المتبادل بينهما وخاصة بعض جمل مندوب المبيعات مثل: «الرزق بتاع ربنا، أنا مش ناعي هم حاجة، الحمد لله على كل شيء».

وجاء هذا الشخص ليعرض عليّ شراء «مفكات، وماكينات حلاقة كهربية، وكتيبات أطفال للرسم والتلوين، ومعطرات جو».. طلبت منه الجلوس وسألته عن الأسعار.. وجدتها مرتفعة نسبيا مقارنة بمثيلاتها التي أجدها مع الباعة الجائلين بالمترو.

ودار بيننا الحوار الآتي:
- بس مش الأسعار غالية شوية؟
- دي أسعار محدداها الشركة.. وصدقني عليها عروض، وانا ملزم بالأسعار.
- يا صديقي مفيش شركة واحدة بتنتج معطرات جو وماكينات حلاقة.. دي كلها بضاعة صيني بيصطادها الموزعين بأسعار كويسة، ويوظف حضرتك وغيرك لبيعها مقابل مكسب معين، وأي مكسب زائد عن المكسب المحدد ده فهو مكسبك.. فقلل مكسبك شوية بقى عشان أشتري
ابتسم هذا المندوب ورد قائلا: اللي انت عايزه يا فندم.

قررت شراء مفك ومعطر جو، وقبل أن يرحل هذا الشخص سألته:
- ما هو مؤهلك الدراسي؟
رد سريعا : مؤهل متوسط.. دبلوم يعني

ابتسمت أنا وتمنيت له التوفيق، واحترمت توديعه لي بابتسامة مماثلة.

أعجبني اعترافه الصريح بأنه يحمل مؤهل متوسط -مع احترامي لحملة هذا المؤهل- لأنه كان يستطيع أن يرتدي عباءة المثقف الحاصل على الماجيستير ولكن عبث الأقدار والاحتياجات الأسرية هي من أجبرته على تلك المهنة التي قد تكون غير لائقة بطموحاته وطاقته كشاب.

هذا الشخص ارتدى عباءة الإنسان «المستغني» مع العميل السابق، وردد بعض العبارات التي قد تدغدغ مشاعر أي شخص يسمعها وتجبره على التعاطف والشراء.

مثلما قد يرتدي عباءة أخرى مع عميل آخر، وألتمس له العذر في ذلك، فهو يريد الترويج إلى سلعته بكل الطرق المشروعة؛ في محاولة لكسب العيش.

ولكنه تخلى عن تلك العباءة معي، ربما لأنه شعر أني حتما سأشتري، أو لأني لسه في حاجة إلى التعاطف معه، أو ربما وجدني لن أصدق حديثه أيًا كان فلجأ إلى الصمت والتحدث في صلب الموضوع.

في النهاية.. 

دعونا نتقبل الآخر ولا نضطره لاصطناع الابتسامات وارتداء العباءات الكاذبة.

المجد للشقيانين.. المجد لفلان.. هاخد فكرة وهشتري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق