السبت، 13 فبراير 2016

5 مشاهد لم يكتب لها النشر

مشهد 1
ــــــــــــــــــــــــــــ
22 درجة.. هي عدد سلمات منزلنا الحبيب التي لا أشعر بها على الإطلاق، ودائمًا أردد بعض الأغاني المفضلة لي.. وهذا اليوم الذي دخلت فيه مندفعًا أغني
«فينك.. بيني وبينك أحزان ويعدوا.. بيني وبينك أيام وينقضوا»
لأجده فجأة جالسا في إحدى زوايا السلم.. يبدو أنه سقط؟ أو ربما جلس بخاطره يستريح..
اعلم أن درجات السلم أصبحت عبئا عليه بعد المرض، دائمًا أجده متكئا على عصاه يستقوي بها على لعنة هذا السلم..
لا أعلم ماذا أفعل.. أخشى أن أمد له يدي فأكسر داخله هيبته أمامي.. وأخشى أن أتجاهل الأمر فيشعر بقسوتي.. ولكن لا
هو لن يظن في القسوة.. كيف أكون قاسيا وانا من تربيت على حنيته التي ربما أخفاها خلف قناع من العصبية.. أنا لن أكسره فهو أقوى من أمد له يدي.. هو أقوى من المرض ذاته..
فجأة رحمني من تلك التساؤلات وأشار لي بالصعود وحدي.. لأصعد مكملا: «شجر الليمون دبلان على أرضه» وأنا أقول لنفسي.. كل أشجار الدنيا ذبلت مع ذبولك.
مشهد 2
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ظللت أنظر إلى قطرات الدم وهي تسقط في الأنبوب البلاستيكي الطويل، المؤدي إلى وريده؛ في محاولة لنقل دم جديد لجسمه، ربما يحمل آمال أخرى في أنفاس جديدة تضاف إلى عمره..
بطيئة تلك القطرات.. كأن الإنسان لابد أن يتعب ويصبر في سبيل التعلق بتلك الحياة.. ترى هل هو متمسكا بتلك الحياة؟ أم أنه يجري روتين لابد منه؟
كنت ألتمس فيه الصبر والتفاؤل مع كل نقطة، كنت ألمح عينيه وهي تنظر إلى كيس الدم وكأنها تناشده في أن يحمل الخير لجسده.. ولكن نظراته كانت فاترة بعض الشيء؛ كأنه يعلم أن لا مفر من المصير المحتوم والمرتقب..
أنا أشفق عليه من حديثه مع نفسه.. أشفق عليه من الصبر.. وأشفق عليه من الألم.. وأشفق عليه من النهاية.. وأشفق عليه من إِشفاقه عليّ
وفجأة خطف نظرته إلىّ.. ورحمني من تلك الهواجس قائلا: «انزل شوف مكان تصلي فيه العصر يا كريم».
حقا أنا في حاجة للصلاة.. فالدعاء هو الحل الوحيد.. والرحيم هو صاحب القرار..
فليقضي الله أمرا كان مفعولا.
مشهد 3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ها هو يجلس في مقعده المخصص، أعلم أنه يتناول علاجا سيزيد من وزنه قليلا، ولكني افتقد صورة وجهه وهو ممتلئا بالدماء.. وتنيره الابتسامة..
ركضت نحوه كأني طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره.. جريت تجاهه متجاهلا كل الحضور... لأقبّل يده وارتمي في حضنه..
لا أدري ماذا سأفعل عندما ينتهي مفعول جرعة العلاج الأخيرة ويطل علينا شبح المرض من جديد؟ فليخفف عنك المولى يا رفيق
مشهد 4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت أمام المسجد بعد صلاة الجمعة منتظرا خروجه، أبحث عنه في كل الوجوه، أنتظر أن أراه...
ترى هل سيخونني الحظ ويخرج من الباب المطل على الشارع الآخر؟ لا أعتقد أشعر انني سأراه هنا
تُرى هل خرج من المسجد دون أراه؟ لا يمكن سأشعر بوجوده وسط المئات من البشر..
ها هو يمشي بجوار السور.. مستندا على عصاه ومتجها للمنزل.. جريت نحوه وقبّلت يده واحتضنته.. لأجده يتعلق في يدي ويستند علي
ويقول بصوت خافض: «الحمد لله إني لقيتك»
وأقول بعده في سري: «الحمد لله إنك لقيتني.. زي ما أنا طول عمري بلاقيك»
وأخشى من هذا اليوم الذي لن أجده فيه
مشهد 5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أتوقع أنني أضعف من أن أراه بعد أن فارقته المنية، لن أراه جثة هامدة، لا أتوقع أنني سأتحمل هذا المنظر.. لا أريده أن يحفر في ذهني..
ولكن عندما دخلت حجرته حاولت أن اتجنب النظر له ولكني لم أستطع.. فتوجهت له ومسكت بيده ودققت النظر في وجهه.. لأشعر أنه مستريحا ومطمئنا ويكاد يكون مبتسما..
الوداع.. أستودعك الله.. لا تقلق عليّ.. هتوحشني
وبين تلك المشاهد عشرات المشاهد التي لم ولن يكتب لها النسيان.. كيف أنساك وأنت بداخلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق